سورة البقرة - تفسير تفسير الشعراوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


{وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118)}
الحق سبحانه وتعالى حين قال: {الذين لاَ يَعْلَمُونَ}.. أي لا يعلمون عن كتاب الله شيئا لأنهم كفار.. وهؤلاء سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكلمهم الله.. ومعنى أن يكلمهم الله أن يسمعوا كلاما من الله سبحانه.. كما سمع موسى كلام الله.
وماذا كانوا يريدون من كلام الله تبارك وتعالى.. أكانوا يريدون أن يقول لهم الله إنه أرسل محمداً رسولا ليبلغهم بمنهج السماء.. وكأن كل المعجزات التي أيد الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسها القرآن الكريم لم تكن كافية لإقناعهم.. مع أن القرآن كلام معجز وقد أتى به رسول أمي.. سألوه عن أشياء حدثت فأوحى الله بها إليه بالتفصيل.. جاء القرآن ليتحدى في أحداث المستقبل وفي أسرار النفس البشرية.. وكان ذلك يكفيهم لو أنهم استخدموا عقولهم ولكنهم أرادوا العناد كلما جاءتهم آية كذبوا بها وطلبوا آية أخرى.. والله سبحانه وتعالى قد أبلغنا أنه لا يمكن لطبيعة البشر أن تتلقى عن الله مباشرة.. واقرأ قوله سبحانه: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ الله إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ} [الشورى: 51].
إذن فالبشر حتى المصطفى من الله والمؤهل للتلقي عن الله.. لا يكلمه الله إلا وحيا أو إلهامَ خاطرٍ أو من وراء حجاب كما كلم موسى.. أو يرسل رسولا مبلغا للناس لمنهج الله.. أما الاتصال المباشر فهو أمر تمنعه بشرية الخلق.
ثم يقول الحق تبارك وتعالى: {أَوْ تَأْتِينَآ آيَةٌ}.. والآيات التي يطلبها الكفار ويأتي بها الله سبحانه وتعالى ويحققها لهم.. لا يؤمنون بها بل يزدادون كفرا وعنادا.. والله جل جلاله يقول: {وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بالآيات إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأولون وَآتَيْنَا ثَمُودَ الناقة مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا} [الإسراء: 59].
إذن فالآيات التي يطلبها الكفار ليؤمنوا لا تجعلهم يؤمنون.. ولكن يزدادون كفرا حتى ولو علموا يقينا أن هذه الآيات من عند الله سبحانه وتعالى كما حدث لآل فرعون.. واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى: {فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُواْ هذا سِحْرٌ مُّبِينٌ وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتهآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المفسدين} [النمل: 13-14].
وهكذا فإن طلبهم أن يكلمهم الله أو تأتيهم آية كان من باب العناد والكفر.. والحق سبحانه يقول: {كَذَلِكَ قَالَ الذين مِن قَبْلِهِمْ مِّثْلَ قَوْلِهِمْ}.. فبنو إسرائيل قالوا لموسى أرنا الله جهرة.. الذين لا يعلمون قالوا لولا يكلمنا الله.. ولكن الذين قالوا أرنا الله جهرة كانوا يعلمون لأنهم كانوا يؤمنون بالتوراة.
فتساوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون.. لذلك قال الله تبارك وتعالى: {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ}.. أي قلوب أولئك الذين كانوا خاضعين للمنهج والذين لا يخضعون لمنهج قد تشابهت بمنطق واحد.
ولو أن الذين لا يعلمون قالوا ولم يقل الذين يعلمون لهان الأمر.. وقلنا جهلهم هو الذي أوحى إليهم بما قالوا.. ولكن ما عذر الذين علموا وعندهم كتاب أن يقولوا أرنا الله جهرة.. إذن فهناك شيء مشترك بينهم تشابهت قلوبهم في الهوى.. إن مصدر كل حركة سلوكية أو حركة جارحة إنما هو القلب الذي تصدر عنه دوافع الحركة.. ومادام القلب غير خالص لله فيستوى الذي يعلم والذي لا يعلم.
ثم يقول الحق سبحانه وتعالى: {قَدْ بَيَّنَّا الآيات لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.. ما هو اليقين؟ هو استقرار القضية في القلب استقراراً لا يحتمل شكا ولا زلزلة.. ولا يمكن أن تخرج القضية مرة أخرى إلى العقل.. لتناقش من جديد لأنه أصبح يقينا.. واليقين يأتي من إخبار من تثق به وتصبح أخباره يقينا.. فإذا قال الله قال اليقين.. وإذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم فكلامه حق.. ولذلك من مصداقية الإيمان أن سيدنا أبا بكر رضي الله عنه.. عندما قيل له إن صاحبك يقول إنه صُعد به إلى السماء السابعة وذهب إلى بيت المقدس في ليلة واحدة.. قال إن كان قد قال فقد صدق.
إن اليقين عنده نشأ من إخبار من يثق فيه وهذا نسميه علم يقين.. وقد يرتقي الأمر ليصير عين يقين.. عندما ترى الشيء بعينك بعد أن حُدثت عن رؤية غيرك له.. ثم تدخل في حقيقة الشيء فيصبح حق يقين.. إذن اليقين علم إذا جاء عن إخبار من تثق به.. وعين يقين إذا كان الأمر قد شوهد مشاهدة العين.. وحق يقين هو أن تدخل في حقيقة الشيء.. والله سبحانه وتعالى يشرح هذا في قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التكاثر حتى زُرْتُمُ المقابر كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ اليقين لَتَرَوُنَّ الجحيم} [التكاثر: 1-6].
هذه هي المرحلة الأولى أن يأتينا علم اليقين من الله سبحانه وتعالى.. ثم تأتي المرحلة الثانية في قوله تبارك وتعالى: {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ اليقين} [التكاثر: 7].
أي أنتم ستشاهدون جهنم بأعينكم يوم القيامة.. هذا علم يقين وعين يقين.. يأتي بعد ذلك حق اليقين في قوله تعالى: {وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ المكذبين الضآلين فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ اليقين} [الواقعة: 92-95].
والمؤمن عافاه الله من أن يعاين النار كحق يقين.. إنه سيراها وهو يمر على الصراط.. ولكن الكافر هو الذي سيصلاها حقيقة يقين.. ولقد قال أهل الكتاب لأنبيائهم ما يوافق قول غير المؤمنين.. فاليهود قالوا لموسى: {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حتى نَرَى الله جَهْرَةً}.. والمسيحيون قالوا لعيسى: {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السمآء} قال: {اتقوا الله إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ}.. وهكذا شجع المؤمنون بالكتاب غير المؤمنين بأن يطلبوا رؤية الله ويطلبوا المعجزات المادية.


{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119)}
هنا لابد أن نلتفت إلى أن الله سبحانه وتعالى حينما يخبرنا عن قضية من فعله. يأتي دائما بنون العظمة التي نسميها نون المتكلم.. ونلاحظ أن نون العظمة يستخدمها رؤساء الدول والملوك ويقولون نحن فلان أمرنا بما هو آت.. فكأن العظمة في الإنسان سخرت المواهب المختلفة لتنفيذ القرار الذي يصدره رئيس الدولة.. فيشترك في تنفيذه الشرطة والقضاء والدولة والقوات المسلحة إذا كان قرار حرب.. تشترك مواهب متعددة من جماعات مختلفة تتكاتف لتنفيذ القرار.. والله تبارك وتعالى عنده الكمال المطلق.. كل ما هو لازم للتنفيذ من صفات الله سبحانه وتعالى.. فإذا تحدث الله جل جلاله عن فعل يحتاج إلى كمال المواهب من الله تبارك وتعالى يقول (إنا): {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].
ولكن حين يتكلم الله عن ألوهيته وحده وعن عبادته وحده يستخدم ضمير المفرد.. مثل قوله سبحانه: {إنني أَنَا الله لا إله إلا أَنَاْ فاعبدني وَأَقِمِ الصلاة لذكري} [طه: 14].
ولا يقول فاعبدنا.. إذن ففي كل فعل يأتي الله سبحانه بنون العظمة.. وفي كل أمر يتعلق بالعبادة والتوحيد يأتي بالمفرد.. وذلك حتى نفهم أن الفعل من الله ليس وليد قدرته وحدها.. ولا علمه وحده ولا حكمته وحدها ولا رحمته وحدها.. وإنما كل فعل من أفعال الله تكاملت فيه صفات الكمال المطلق لله.
إن نون العظمة تأتي لتلفتنا إلى هذه الحقيقة لتبرز للعقل تكامل الصفات في الله.. لأنك قد تقدر ولا تعلم.. وقد تعلم ولا تقدر، وقد تعلم وتغيب عنك الحكمة. إذن فتكامل الصفات مطلوب.
قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بالحق} يعني بعثناك بالحق رسولا.. والحق هو الشيء الثابت الذي لا يتغير ولا يتناقض.. فإذا رأيت حدثا أمامك ثم طلب منك أن تحكي ما رأيت رويت ما حدث.. فإذا طلب منك بعد فترة أن ترويه مرة أخرى فإنك ترويه بنفس التفاصيل.. أما إذا كنت تكذب فستتناقض في أقوالك.. ولذلك قيل إن كنت كذوبا فكن ذكورا.
إن الحق لا يتناقض ولا يتغير.. ومادام رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أرسل بالحق.. فإنَّ عليه لأن يبلغه للناس وسيبقى الحق حقا إلى يوم القيامة.
وقوله تعالى: {بَشِيراً وَنَذِيراً}.. البشارة هي إخبار بشيء يسرك زمنه قادم.. والإنذار هو الإخبار بشيء يسوؤك زمنه قادم ربما استطعت أن تتلافاه.. بشير بماذا؟ ونذير بماذا؟ يبشر من آمن بنعيم الجنة وينذر الكافر بعذاب النار.. والبشرى والإنذار يقتضيان منهجا يبلغ.. من آمن به كان بشارة له.
ومن لا يؤمن كان إنذارا له.
ثم يقول الحق جل جلاله: {وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الجحيم}.. أي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس مسئولا عن الذين سيلقون بأنفسهم في النار والعذاب. إنه ليس مسئولا عن هداهم وإنما عليه البلاغ.. واقرأ قوله تبارك وتعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ على آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بهذا الحديث أَسَفاً} [الكهف: 6].
ويقول جل جلاله: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ السمآء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 3-4].
فالله سبحانه وتعالى لو أرادنا أن نؤمن قسرا وقهرا.. ما استطاع واحد من الخلق أن يكفر.. ولكنه تبارك وتعالى يريد أن نأتيه بقلوب تحبه وليس بقلوب مقهورة على الإيمان.. إن الله سبحانه وتعالى خلق الناس مختارين أن يؤمنوا أو لا يؤمنوا.. وليس لرسول أن يرغم الناس على الإيمان بالقهر.. لأن الله لو أراد لقهر كل خلقه.
أما أصحاب الجحيم فهم أهل النار. والجحيم مأخوذة من الجموح.. وجمحت النار يعني اضطربت، وعندما ترى النار متأججة يقال جمحت النار.. أي أصبح لهيبها مضاعفا بحيث يلتهم كل ما يصل إليها فلا تخمد أبدا.
والحق سبحانه وتعالى يريد أن يطمئن رسوله صلى الله عليه وسلم.. أنه لا يجب أن ينشغل قلبه بالذين كفروا لأنه قد أنذرهم.. وهذا ما عليه، وهذه مهمته التي كلفه الله بها.


{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)}
كان اليهود يدخلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم مدخل لؤم وكيد فيقولون هادنا، أي قل لنا ما في كتابنا حتى ننظر إذا كنا نتبعك أم لا.. يريد الله تبارك وتعالى أن يقطع على اليهود سبيل الكيد والمكر برسول الله صلى الله عليه وسلم.. بأنه لا اليهود ولا النصارى سيتبعون ملتك.. وإنما هم يريدون أن تتبع أنت ملتهم.. أنت تريد أن يكونوا معك وهم يطمعون أن تكون معهم.. فقال الله سبحانه: {وَلَنْ ترضى عَنكَ اليهود وَلاَ النصارى حتى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}.
نلاحظ هنا تكرار النفي وذلك حتى نفهم أن رضا اليهود غير رضا النصارى.. ولو قال الحق تبارك وتعالى، ولن ترضى عنك اليهود والنصارى بدون لا.. لكان معنى ذلك أنهم مجتمعون على رضا واحد أو متفقون.. ولكنهم مختلفون بدليل أن الله تعالى قال: {وَقَالَتِ اليهود لَيْسَتِ النصارى على شَيْءٍ وَقَالَتِ النصارى لَيْسَتِ اليهود على شَيْءٍ} [البقرة: 113].
إذن فلا يصح أن يقال فلن ترضى عنك اليهود والنصارى.. والله سبحانه وتعالى يريد أن يقول لن ترضى عنك اليهود ولن ترضى عنك النصارى.. وإنك لو صادفت رضا اليهود فلن ترضى عنك النصارى.. وإن صادفت رضا النصارى فلن ترضى عنك اليهود.
ثم يقول الحق سبحانه: {حتى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}.. والملة هي الدين وسميت بالملة لأنك تميل إليها حتى ولو كانت باطلا.. والله سبحانه وتعالى يقول: {وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ ما أَعْبُدُ وَلاَ أَنَآ عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ ما أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 3-6].
فجعل لهم دينا وهم كافرون ومشركون.. ولكن ما الذي يعصمنا من أن نتبع ملة اليهود أو ملة النصارى.. الحق جل جلاله يقول: {قُلْ إِنَّ الهدى هُدَى الله} [آل عمران: 73].
فاليهود حرفوا في ملتهم والنصارى حرفوا فيها.. ورسول الله صلى الله عليه وسلم معه هدى الله.. والهدى هو ما يوصلك إلى الغاية من أقصر طريق.. أو هو الطريق المستقيم باعتباره أقصر الطرق إلى الغاية.. وهدى الله طريق واحد، أما هدى البشر فكل واحد له هدى ينبع من هواه.
ومن هنا فإنها طرق متشعبة ومتعددة توصلك إلى الضلال.. ولكن الهدى الذي يوصل للحق هو هدى واحد.. هدى الله عز وجل.
وقوله تعالى: {وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَآءَهُمْ} إشارة من الله سبحانه وتعالى إلى أن ملة اليهود وملة النصارى أهواء بشرية.. والأهواء جمع هوى.. والهوى هو ما تريده النفس باطلا بعيدا عن الحق.. لذلك يقول الله جل جلاله: {وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَآءَهُمْ بَعْدَ الذي جَآءَكَ مِنَ العلم مَا لَكَ مِنَ الله مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ}.
والله تبارك وتعالى يقول لرسوله لو اتبعت الطريق المعوج المليء بالشهوات بغير حق.. سواء كان طريق اليهود أو طريق النصارى بعدما جاءك من الله من الهدى فليس لك من الله من ولي يتولى أمرك ويحفظك ولا نصير ينصرك.
وهذا الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يجب أن نقف معه وقفة لنتأمل كيف يخاطب الله رسوله صلى الله عليه وسلم الذي اصطفاه.. فالله حين يوجه هذا الخطاب لمحمد عليه الصلاة والسلام.. فالمراد به أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أتباع رسول الله الذين سيأتون من بعده.. وهم الذين يمكن أن تميل قلوبهم إلى اليهود والنصارى.. أما الرسول فقد عصمه الله من أن يتبعهم.
والله سبحانه وتعالى يريدنا أن نعلم يقينا أن ما لم يقبله من رسوله عليه الصلاة والسلام.. لا يمكن أن يقبله من أحد من أمته مهما علا شأنه.. وذلك حتى لا يأتي بعد رسول الله من يدعي العلم.. ويقول نتبع ملة اليهود أو النصارى لنجذبهم إلينا.. نقول له لا ما لم يقبله الله من حبيبه ورسوله لا يقبله من أحد.
إن ضرب المثل هنا برسول الله صلى الله عليه وسلم مقصود به أن أتباع ملة اليهود أو النصارى مرفوض تماما تحت أي ظرف من الظروف، لقد ضرب الله سبحانه المثل برسوله حتى يقطع على المغرضين أي طريق للعبث بهذا الدين بحجة التقارب مع اليهود والنصارى.

36 | 37 | 38 | 39 | 40 | 41 | 42 | 43